يـــونس عليه
السلام
يونس ابن متى ولم يذكر نسبه كما ذكر الآخرين
فلم يعرف عنه إلا أنه يونس ابن متى من ذرية إبراهيم عليم السلام ويسمى كذلك
ذو النون ، النون : الحوت ويسمى كذلك صاحب الحوت ، الله سبحاهن وتعالى
سماه ذا النون وسماه صاحب الحوت وسماه يونس في القرآن فهذه الأسماء كلها
تطلق على يونس عليه السلام .


بعثه الله
إلى قرية عظيمة هي نَيِنَوَى ، نينوى في شمال العراق مقابل الموصل يفصل
بينهما نهر دجلة ، الموصل على نهر دجلة نينوى في الجهة المقابلة للموصل
يقول ابن كثير عنها وفيها في زمانه أثار نينوى موجودة وفيها أصنام منكفئة
على وجهها مرمية على وجهها في زمن ابن كثير عليه الرحمة . بعثه الله سبحانه
وتعالى رسولا إلى نينوى يقول الله عز وجل
] وإنَّ يونس
لمن المرسلين
[{الصافات 139 }
وكانت أعدادهم كبيرة ، عدد كثير كان يسكن نينوى يقول الله
عز وجل
] وأرسلناه إلى مائة ألف أو
يزيدون
[{الصافات 147 }
يعني ويزيدون عن 100 ألف ، تكلم العلماء كم يزيدون فأكثر
الروايات على أنهم كانوا يزيدون بعشرين ألف فكانوا 120 ألف ، عدد كبير ضخم
وكانوا على الكفر وظل يونس عليه السلام يدعوهم سنين ، وهم على كفرهم ثم
إنهم تجبروا وطغوا وهددوه بالأذى كما فعل بالأنبياء من قبله
فعندها أنذرهم قال لكم مهلة ثلاث
أيام وخرج عنهم غضبان ن الله سبحانه أعطاه الإذن بأن ينذرهم ثلاث أيام ولم
يعطه الإذن بأن يخرج ، لكن لما أنذرهم خرج غضبان يقول الله سبحانه وتعالى
]وذا النون إذ
ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه
[{الأنبياء 86 }
بعض المفسرين وهذا أمر عجيب
يظنونه غاضبا لله كيف يكون غاضبا لله وهو نبي من أنبياء الله ، هو غاضبا
على قومه وصل بهم الأمر أن يأتيهم الإنذار بالتدبير وخرج بدون إذن من الله
سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل
]وذا النون إذ
ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه
[{الأنبياء 86 }
كثير من الناس يخطأ في فهم هذه
الآية يقول الإمام الرازي رحمه الله من ظن عجز الله فقد كفر ، من يظن أن
الله سبحانه وتعالى لن يقدر عليه يعني القدرة أن الله عاجز عنه كافر هذا
بالتأكيد ، ليس هذا هو المقصود أنه ظن أن الله لن يقدر عليه بمعنى أن الله
يعجز عنه وإنما المقصود كما جاء في رواية عظيمة مهمة عم معاوية رضي الله
عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما لقد ضربتني أمواج القرآن الباردة يعني
قرأت في القرآن آيات جعلتني أموج أحتار فغرقت فيها غرقت في الحيرة أبي مخرج
أبي تفسير لم أرف لم أجد لي خلاصا من هذا الغرق فلم أجد لي خلاصا إلا بك ،
آيات حيرتني وغرقت ما عرفت لها مخرج ولا تفسير وقلت ليس لها إلا ابن عباس
لأنه كان أعلم الصحابة بالقرآن فقال ما هي فقال معاوية يظن يونس نبي الله
أن لن يقدر الله عليه فقال ابن عباس ليس هذا ، هذا من القدر وليس من القدرة
، الله سبحانه وتعالى يستعمل القدرة ويستعمل القدر ، القدر ومن قُدِرَ
عليه رزقه يعني ضيق عليه رزقه
]فظن أن لن
نقدر عليه
[{الأنبياء86 }
فطن أن لن نضيق عليه ظن أنه لما يخرج بدون إذن لن يعاقبه
الله عز وجل لأنه نبي كريم وهؤلاء قوم يستحقون العقاب وعليهم غضب الله ونزل
عليهم الإنذار فظن أن خروجه من غير إذن لا يستحق عليه العقوبة ولن يضيق
الله سبحانه وتعالى عليه
] فظن أن لن
نقدر عليه
[{الأنبياء 86 }
ظن أن لن نعاقبه ولن نضيق عليه فهذا معنى قول الله عز وجل
] وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن
لن نقدر عليه
[
{الأنبياء 86 }

ظن أن لن
نعاقبه ولن نضيق عليه فهذا معنى قول الله عز وجل
] وذا النون
إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه
[{الأنبياء 86 }
وخرج يونس عليه السلام بلا إذن
وترك قومه بلا إذن وهو غضبان عليهم ويظن أن الله سبحانه وتعالى لن يغضب
عليه بهذا التصرف وذهب إلى البحر . في هذه الأثناء بدأت العلامات ، علامات
العذاب تظهر على نينوى وأقبلت عليهم غيمة سوداء كبيرة وبدأ يظهر من الغيمة
شرر ورأوا الغيمة في اليوم الأول فعرفوا أن العذاب سيحل بهم كما توعدهم
يونس عليه السلام وكانوا يعرفون ما حدث لقوم لوط كانوا قريبين من هذه
المناطق فخافوا فاجتمع قادتهم ، أشرافهم قالوا والله هذا الدمار سيصيبكم
كما أصاب الأمم من قبلكم فأجمعوا الناس ، واجتمع الناس وتحدثوا في الأمر
قالوا صدق يونس ، والله هذا هو العذاب ليس لكم نجاة من عذاب الله إلا أن
تؤمنوا وتتوبوا ، فآمنوا جميعا ويونس غائب ، آمنوا كلهم 120 ألف كلهم آمنوا
ولبسوا الثياب المرقع وأخذوا يبكون ويتبتلون ويسألون الله سبحانه وتعالى
المغفرة وخرجوا إلى التلال وفرقوا بين المرأة وابنها حتى يبكي الابن وتبكي
المرأة فتنزل عليهم الرحمة من الله عز وجل والعذاب فوقهم ، ثلاثة أيام وهم
يبكون ويتبتلون ويستغفرون الله عز وجل فرحمهم الله سبحانه وتعالى فصرف عنهم
العذاب يقول الله سبحانه وتعالى
] فلولا كانت
قرية آمنت فنفعها إيمانها
[{يونس 98 }
هل سمعت بقرية من الأمم السابقة
آمنت فنفعها إيمانها ، كل القرى لم تؤمن
]إلا قوم يونس
لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين
[{يونس 98 }
متعناهم إلى يوم القيامة يعني لم
ينزل عليهم العذاب يقول ابن كثير في معنى الآية
] فلولا كانت
قرية آمنت فنفعها إيمانها
[{ يونس 98 }
هل وجدت في قصص من قبلك قرية
آمنت بكاملها كل من فيها آمن دل على أن ذلك لم يقع لأحد لم تؤمن قرية
بكاملها إلا قوم يونس لا توجد قرية ولا أمة إلا وفيها كفار أو منافقون إلا
قوم يونس بعد أن كانوا كلهم على الكفر صاروا كلهم على الإيمان فهذا من
معجزات الله ورحمة الله عز وجل . أما يونس عليه السلام لا يدري قومه ماذا
عملوا أو صار فيهم ، فذهب إلى البحر
]إذ ابق [{الصافات 140 } أَبَقْ كلمة تطلق على العبد
لما يهرب من الرق، يهرب من سيده يسمونه العبد الآبق فيقول الله سبحانه
وتعالى أبق هرب من الله عز وجل لم ينتظر أوامر الله ترك قومه وفر ، فذهب
إلى سفينة والسفينة كانت مزدحمة مملوءة ثقيلة يقول الله سبحانه وتعالى
] إذ أبق إلى
الفلك المشحون
[{الصافات 140}
وأقلعت السفينة فهاج الموج هاج البحر بهم أو النهر ، هاج
البحر وكادوا يغرقون وقالوا تَخَفَفُوا من الأحمال فبدءوا يرمون البضائع ،
ألقوا البضائع التي عندهم لكن ما تزال ثقيلة قالوا لابد من إلقاء البشر
لابد أن نرمي بعض من الراكبين حتى تخف السفينة ، سفينة ثقيلة كادت تغرق
علينا نعمل قرعة من خرجت عليه القرعة نرميه وهكذا نرمي ونرمي إلى أن تخف
السفينة فبدءوا بالقرعة فأول من خرج سهم يونس عليه السلام فقالوا هذا شاب
عليه أثار الصلاح اتركوه لا ترموه نقترع مرة أخرى فاقترعوا مرة ثانية فخرج
سهم يونس فتعجبوا قالوا مرة ثالثة نقترع فاقترعوا للمرة الثالثة فخرج سهم
يونس يقول الله سبحانه وتعالى
] فساهم [{الصافات 141 } ساهم مرة تلو المرة رمى السهم] فساهم فكان
من المدحضين
[{ الصافات 141}
في كل مرة مغلوب المدحض: المغلوب كل مرة يرمي يغلب فقالوا
لا بد من رميه فرموه من السفينة فهدأ البحر ، كان هو المقصود أين يفر
]فظن أن لن
نقدر عليه
[{الأنبياء 86 }
ولا نضيق عليه الله سبحانه وتعالى أراه كل هذا فرمي في
البحر
]فالتقمه الحوت [{ الصافات 142 } الحوت: السمكة الكبيرة ليس
بالضرورة أن يكون الحوت الذي نعرفه لكن أي سمكة كبيرة تسمى حوت فأوحى الله
سبحانه وتعالى إلى الحوت أن لا تأكل له لحما ولا تهشم له عظما هذه أوامر
للحوت
] فَالْتَقَمَهُ الحوت وهو مليم [{ الصافات 142 }عرف أنه هو المقصود ثلاث مرات
يخرج سهمه فبدأ يلوم نفسه كيف خرج بدون إذن من الله بدأ يلوم نفسه وهذه أول
علامات التوبة أن يلوم الإنسان نفسه ، أول التوبة أن يعرف أنه مذنب ويبدأ
يلوم نفسه كيف فعلت هذا
]
فَالْتَقَمَهُ الحوت وهو مليم
[{ الصافات 142 }
سجن عظيم سجن عجيب بطن حوت
فانظروا إلى قدرة الله عز وجل وبقي في بطن الحوت ، أقل الروايات ثلاثة أيام
وروايات أخرى تقول ست أيام وأكثر الروايات أربعين يوما ، وبدأ يدعو ويدعو
يقول الله سبحانه وتعالى
] فنادى في
الظلومات
[{الأنبياء 86 }
الظلومات ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل تجمعت عليه
هذه الظلومات ظلام دامس لا يرى شيئا في بطن الحوت داخل البحر في الليل
يقول الله سبحانه وتعالى
] فَلولا أنه
كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون
[{ الصافات 143-144 }
لولا أنه بدأ بالتسبيح يسبح
الله عز وجل وترك الدعاء واكتفى بالتسبيح فقط جاءت روايات تقول أنه لما نزل
به الحوت في أعماق البحر بدأ يسمع تسبيح المخلوقات فكأن الله سبحانه
وتعالى ألهمه أن سبح يقول الله عز وجل
] فنادى في
الظلومات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
[{الأنبياء 86 }
كل هذا لأنه خرج بدون أن
يستأذن الله عز وجل في الخروج ، كالرسول لابد أن ينفذ أوامر من أرسله بدقة
فأي مخالفة لمن أرسله يستحق عليها العقاب ففي هذه القصة تذكير للنبي صلى
الله عليه وسلم الالتزام بأوامر الله عز وجل بدقة وأن لا يفعل شيئا إلا
بإذن من الله سبحانه وتعالى فأكثر يونس عليه السلام من التسبيح
] لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
[{الأنبياء 86 }
يقول النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي يرويه أحمد والترمذي وغيرهما دعوة ذي النون إذ هو في بطن
الحوت
] لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين
[{الأنبياء 86 }
فإنها لم يدعو بها مسلم ربه في شيء إلا استجاب له ، دعوة
مستجابة من الأدعية المستجابة وخاصة في تفريج الضر في رفع الأذى في تفريج
الكُرَبْ
]لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين
[{الأنبياء 86

فنجاه الله
سبحانه وتعالى
] فاستجبنا له ونجيناه من الغم
وكذلك ننجي المؤمنين
[{الأنبياء 87 } سأل أحد الصحابة النبي صلى
الله عليه وسلم قال يا رسول الله دعوة ذي النون في بطن الحوت
] لا إله إلا
أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
[{الأنبياء 86 } نجاة ليونس وحده أم للمؤمنين
من بعده فقال ليونس خاصة وللمؤمنين عامة ألم تقرأ قول الله عز وجل
] وكذلك ننجي
المؤمنين
[{الأنبياء 87}كل من يدعو بهذا الدعاء ينجيه الله عز وجل]وكذلك ننجي
المؤمنين
[{الأنبياء 87 } فظل يونس عليه السلام أربعين يوما هذا دعاءه في الليل
والنهار
] لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين
[{الأنبياء 86 } في نهاية هذه المدة لما استجاب
له الله عز وجل رماه الحوت على الشاطئ ، وصل الحوت إلى الشاطئ فقذفه ورجع
يقول الله سبحانه وتعالى
]فنبذناه
بالعراء وهو سقيم
[{الصافات 145 } نبذناه : قذفناه بالعراء
المنطقة التي ليس فيها أشجار ليس فيها شجر قذفه الحوت بأمر الله على هذه
المنطقة
]وهو سقيم [{الصافات 145 } مريض يقول المفسرون ذهب جلده
وأنكشف اللحم فسقط على الحال وسقط ولا يستطيع الحركة فظل مستلق وتحدث
المعجزات وتنبت عنده شجرة
] وأنبتنا
عليه شجرة
[{الصافات 146 } منطقة عراء ليس فيها شجر فتنبت عنده شجرة ]وأنبتنا عليه
شجرة من يقطين
[{الصافات 146 } اليقطين يقال له الدباء وهو
نوع من أنواع القرع هذا النوع يسمى الدُبَاء قال عنه المؤرخون لماذا اختاره
الله عز وجل قالوا أوراقه كبيرة فكانت له ظلا وغطته حتى لا تؤذه الريح
،لحم مكشوف الهواء يؤذيه فغطته الأوراق وكانت لها رائحة طيبة تؤنسه وكانت
هذه الرائحة من خصائصها أنها تطرد الحشرات لا تقترب منه الحشرات لأن لحمه
مكشوف فاختار الله سبحانه وتعالى هذه الشجرة حتى تحميه من الأذى بأصنافها
فانظروا إلى قدرة الله سبحانه ويقول المفسرون كذلك وأرسل الله تعالى له
أروية : الأروية : أنثى الوعل والوعل الغزال الكبير فأنثى الغزال أنثى
الوعل كانت تأتيه حتى تصل إليه فتفتح رجليها فوقه وتنزل ضرعها في فمه فيشرب
فكان هذا طعامه، وظل على هذا الحال إلى أن شفي وقام صحيحا مرة أخرى رحمة
من الله سبحانه .


فلما عادت
إليه الصحة بعثه الله عز وجل إلى قومه مرة أخرى
]وأرسلناه إلى
مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين
[{الصافات 147-148 }كلهم آمنوا به ، الله سبحانه
يُعلمنا درس لا تيئس من الدعوة لا تقل فلان تعبت منه بذلت معه كل جهدي
دعوته دَعوته وبدون فائدة
]ولا تكن
كصاحب الحوت
[{القلم 48 }لا تيئس من إنسان فيونس عليه
السلام يئس من قومه سنين وهو يدعوهم ولم يؤمن أحد فلما يئس منهم وأنذرهم
بالعذاب وتولى عنهم آمنوا ، أنت لا تدري متى تأتي الهداية
] إنك لا تهدي
من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
[{القصص 56 } وفي هذا درس عظيم في أمر الدعوة
أن الإنسان يجب أن لا ييئس من رحمة الله ولا يعتمد على نفسه في الهداية ،
فالهداية من الله ، فعليك بالدعوة وعلى الله سبحانه وتعالى الهداية .


الله
سبحانه وتعالى اصطفاه واختاره وطهره عليه السلام يقول الله عز وجل
] فاجتباه ربه
فجعله من الصالحين
[{القلم 50 } يقول النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم وغيره لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من
يونس ابن متى . لا أحد يقول أنا أفضل منه يئس من قومه وأنا لم أيئس لا تقل
هذا لأن الله سبحانه وتعالى اجتباه واختاره واصطفاه وجعله من الصالحين ،
والدرس العظيم الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
] فاصبر لحكم
ربك ولا تكن كصاحب الحوت
[{القلم 48 }
لا تكن مثل يونس
عليه السلام الذي يئس من
قومه فهذا درس عظيم في
الثبات على الدعوة والثبات على الإسلام