مذبحة
القلعة مقال تفصيلي :
مذبحة القلعةبالرغم من أن محمد علي استطاع هزيمة المماليك، وإبعادهم إلى جنوب
الصعيد. إلا أنه ظل متوجسًا من خطورتهم، لذا لجأ إلى استراتيجية بديلة وهي
التظاهر بالمصالحة واستمالتهم بإغداق المال والمناصب والاستقطاعات عليهم،
حتى يستدرجهم للعودة إلى
القاهرة. كان ذلك بمثابة الطعم الذي ابتلعه الجانب
الأكبر من المماليك، الذين استجابوا للدعوة مفضلين حياة الرغد والترف على
الحياة القاسية والمطاردة من قبل محمد علي. إلا أن بعض زعماء المماليك مثل
إبراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن ورجالهم، لم يطمئنوا إلى هذا العرض،
وفضلوا أن يبقوا في الصعيد.
[35]الجنود المصريين وقد أحاطوا بالمماليك من كل جانب وأمطروهم بوابل من
الرصاص. بريشة إميل جان هوراس ڤيرنت.
مذبحة المماليك في القاهرة، ويبدو محمد علي باشا
جالسًا.
في ديسمبر من عام
1807، تلقّى محمد علي أمرًا سلطانيًا
من السلطان العثماني
مصطفى الرابع، بتجريد حملة لمحاربة
الوهابيين الذين سيطروا على
الحجاز، مما أفقد العثمانيين السيطرة على
الحرمين الشريفين،
وبالتالي هدد السلطة الدينية للعثمانيين. إلا أن محمد علي ظل يتحجج بعدم
استقرار الأوضاع الداخلية في مصر، بسبب حروبه المستمرة مع المماليك.
[36] لكن بعد تظاهره بالمصالحة مع المماليك، لم يبق أمام محمد علي ما يمنعه من
تجريد تلك الحملة، لذا قرر محمد علي أن يجرّد حملة بقيادة ابنه
أحمد طوسون لقتال الوهابيين. كان في تجريد تلك
الحملة ورحيل جزء كبير من قوات محمد علي خطر كبير على استقرار أوضاعه في
مصر، فوجود المماليك بالقرب من القاهرة، قد يشجعهم على استغلال الفرصة
لينقضوا على محمد علي وقواته. لذا لجأ محمد علي إلى الحيلة، فأعلن محمد على
عن احتفال في
القلعة بمناسبة إلباس ابنه طوسون خلعة قيادة
الحملة على الوهابيين، وحدد له
الأول من مارس سنة
1811، وأرسل يدعو الأعيان والعلماء والمماليك
لحضور الاحتفال.
[35] لبى المماليك الدعوة، وما أن انتهى الاحتفال حتى دعاهم محمد علي إلى السير
في موكب ابنه. تم الترتيب لجعل مكانهم في وسط الركب، وما أن وصل المماليك
إلى طريق صخري منحدر يؤدي إلى باب العزب المقرر أن تخرج منه الحملة، حتى
أغلق الباب فتكدست خيولهم بفعل الانحدار، ثم فوجئوا بسيل من الرصاص انطلق
من الصخور على جانبي الطريق ومن خلفهم يستهدفهم.
[37] راح ضحية تلك المذبحة المعروفة
بمذبحة القلعة كل من حضر من المماليك، وعددهم
470 مملوك، ولم ينج من المذبحة سوى مملوك واحد يدعى "أمين بك"،
4 الذي استطاع أن يقفز من فوق سور القلعة.
[38] بعد ذلك أسرع الجنود بمهاجمة بيوت المماليك، والإجهاز على من بقي منهم،
وسلب ونهب بيوتهم، بل امتد السلب والنهب إلى البيوت المجاورة، ولم تتوقف
تلك الأعمال إلا بنزول محمد علي وكبار رجاله وأولاده في اليوم التالي، وقد
قُدّر عدد من قتلوا في تلك الأحداث نحو 1000 مملوك.
[35][37]تعرض محمد علي للعديد من الانتقادات من المؤرخين الغربيين بسبب غدره
بالمماليك في تلك المذبحة،
5 بينما عدها البعض مثل
محمد فريد إحدى أفعال محمد علي الحسنة
التي خلّص بها مصر من شر المماليك.
[37] بتخلص محمد علي من معظم المماليك، انسحب المماليك الذين بقوا في الصعيد
إلى
دنقلة، وبذلك أصبح لمحمد علي كامل
السيطرة على مصر.
[35][عدل] فترة
خدمة السلطنة[عدل] الحرب
الوهابية العثمانية طالع أيضا :
وهابية و
محمد بن عبد الوهابالأمير
عبد الله بن سعود
الكبير بن عبد العزيز آل سعود، آخر أمراء
الدولة السعودية الأولى، قاتل الجيش
المصري حتى هُزم عام
1818، وأُعدم في
الآستانة.
[36]ظهر عجز
الدولة العثمانية، منذ أوائل
القرن التاسع عشر، في
إخماد الثورات التي قامت في وجهها، فاستنجدت بولاتها لإخمادها،
[39] ومن هذه الثورات التي أقضّت مضاجع الدولة:
الثورة اليونانية و
الحركة الوهّابية في
شبه الجزيرة العربية.
6 حقّقت الدعوة الوهّابية نجاحًا في
نجد،
واحتضنها أمير
الدرعية محمد بن سعود بن محمد آل مقرن،
وتجاوزتها إلى بعض أنحاء
الحجاز و
اليمن و
عسير وأطراف
العراق و
الشام، واستولى الوهابيون على
مكة و
الطائف و
المدينة المنورة،
[40] حتى بدا خطرها واضحًا على الوجود العثماني في أماكن انتشارها، بل في
المشرق العربي و
العالم الإسلامي، وأدّت
دورًا هامًا في تطور الفكر الإسلامي الحديث،
[40] حيث تُعدّ أول حركة إصلاحية
سلفية في العصر الحديث، كما أنها أولى الحركات الإصلاحية
التجديدية التي ظهرت في الدولة العثمانية.
[41]وشعرت الدولة العثمانية بخطورة تلك الحركة، وأدركت أن نجاحها سوف يؤدي
إلى فصل
الحجاز وخروجه من يدها، وبالتالي خروج
الحرمين الشريفين، ما
يفقدها الزعامة التي تتمتع بها في
العالم الإسلامي بحكم
إشرافها على هذين الحرمين، في وقت كانت قد بدأت تسعى فيه إلى التغلب على
عوامل الضعف الداخلية، وتقوية الصلات بينها وبين أنحاء العالم الإسلامي
بوصفها مركز
الخلافة الإسلامية.
[41] شكّلت كل هذه العوامل حافزًا للدولة العثمانية للوقوف في وجه الدعوة
الوهّابية ومواجهتها للحد من انتشارها، فحاولت في بادئ الأمر عن طريق ولاة
بغداد و
دمشق لكنها فشلت،
[42] فوقع اختيارها على محمد علي باشا، فأعدّ هذا حملة عسكرية بقيادة ابنه
أحمد طوسون دخلت
ينبع و
بدر، إلا أنها انهزمت في
الصفراء.
[43] لم يستثمر الوهّابيون انتصارهم في الصفراء، وقبعوا في معاقلهم، ما أعطى
طوسون الفرصة لإعادة تنظيم صفوف قواته، كما طلب إمدادات من
القاهرة، وأخذ يستميل القبائل الضاربة بين
ينبع و
المدينة المنورة بالمال والهدايا، ونجح في
سياسته هذه التي مهّدت له السبيل لاستعادة المدينة المنورة ومكة والطائف،
[43] لكن الوهّابيين عادوا وانتصروا في
تَرَبة و
الحناكية وقطعوا طرق المواصلات
بين مكة والمدينة،
[44] وانتشرت
الأمراض في صفوف الجيش المصري، وأصاب الجنود الإعياء نتيجة
شدة القيظ وقلة المؤونة وال
ماء،
[45] ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر، أن يلزم خطة الدفاع،
وأرسل إلى والده يطلب المساعدة.
[45]قرر محمد علي باشا أن يسير بنفسه إلى
الحجاز لمتابعة القتال والقضاء على الوهّابيين، وبسط
نفوذ
مصر في
شبه الجزيرة العربية، فغادر مصر، في
26 أغسطس سنة
1812م، الموافق فيه
17 شعبان سنة
1227هـ، على رأس جيش آخر ونزل في
جدة ثم غادرها إلى
مكة وهاجم معاقل الوهّابيين، إلا أنه فشل في توسيع رقعة
انتشاره، فأخلى
قنفذة بعد أن كان قد دخلها، وانهزم
ابنه طوسون في
تَرَبة مرة أخرى.
[46] كان من الطبيعي بعد هذه الهزائم المتكررة ومناوشات الوهّابيين المستمرة
لوحدات الجيش المصري، أن يطلب محمد علي باشا المدد من مصر، ولمّا وصلت
المساعدات، وفيما كان يتأهب للزحف توفي خصمه
سعود في
27 أبريل سنة
1814م، الموافق فيه
6 جمادى الأولى سنة
1229هـ، وخلفه في الإمارة ابنه
عبد الله.
[47] ويبدو أن هذا الأمير لم يملك قدرات عسكرية تُمكنه من درء الخطر المصري ما
أدى إلى تداعي الجبهة الوهّابية، فصبّت هذه الحادثة في مصلحة محمد علي باشا
الذي تمكّن من التغلب على جيش وهّابي في بسل، وسيطر على تَرَبة ودخل ميناء
قنفذة، في حين سيطر طوسون على القسم الشمالي من نجد.
[48]خط سير حملة إبراهيم باشا من
الحناكية إلى
الدرعية.
عند هذه المرحلة من تطوّر المشكلة الوهّابية، اضطر محمد علي باشا أن
يغادر
شبه الجزيرة العربية ويعود إلى مصر
للقضاء على حركة تمرد استهدفت حكمه، وبعد القضاء على هذه الحركة استأنف
حربه ضدّ الوهّابيين، فأرسل حملة عسكرية أخرى إلى شبه الجزيرة بقيادة ابنه
إبراهيم باشا في
5 سبتمبر سنة
1816م، الموافق فيه
12 شوّال سنة
1231هـ.
[49] تمكّن إبراهيم باشا، بعد اصطدامات ضارية مع الوهّابيين، من الوصول إلى
الدرعية وحاصرها، فاضطر عبد الله بن سعود إلى فتح باب
المفاوضات، واتفق الطرفان على تسليم الدرعية إلى الجيش المصري، شرط عدم
تعرضه للأهالي، وأن يُسافر عبد الله بن سعود إلى
الآستانة لتقديم الولاء
للسلطان، وأن يردّ الوهّابيون الكوكب الدري، وما بقي بحوزتهم من التحف
والمجوهرات التي أخذوها حين استولوا على
المدينة المنورة.
[47] وعمد إبراهيم باشا، بعد تسلمه الدرعية، إلى هدمها. وهكذا انتهت الحرب
الوهّابية التي خاضها الجيش المصري في شبه الجزيرة العربية، وعاد إبراهيم
باشا إلى
مصر.
[عدل] ضم السودانكانت الحملة التالية في حملات محمد علي هي الحملة التي جردها لضمّ
السودان. كانت أهداف محمد علي غير المعلنة من تلك
الحملة السعي وراء
الذهب و
الماس الذي تناقل الناس أنه موجود في أصقاع
السودان وخاصة
سنار، ولاتخاذ جنود سودانيين في
الجيش النظامي المصري لما عرف عنهم من صبر وشجاعة وطاعة، والتخلص من بقية
جنود الفرق غير النظامية في الجيش المصري التي كانت تثير القلاقل ومصدر
متاعب لمحمد علي. أما السبب الظاهري لتلك الحملة، فكان القضاء على البقية
الباقية من المماليك الذين فروا إلى
دنقلة.
[50][51]انطلفت الحملة المؤلفة من 4,000 جندي في مراكب نيلية في
20 يوليو سنة
1820، بقيادة
إسماعيل باشا ثالث أبناء محمد علي.
[52] سارت الحملة جنوبًا، فانحدرت من
أسوان إلى
وادي حلفا إلى دنقلة، حيث
واجهت المماليك وهزمتهم دون مقاومة تذكر. وفي
4 نوفمبر من نفس العام، واجهت
جمعًا من السودانيين بأسلحة بدائية وهزمهم في
كورتي. ثم واصل الجيش المصري الزحف، فاستولى على
بربر في
10 مارس سنة
1821، ثم
شندي الذي أعلن ملكها نمر استسلامه
أمام الجيش الزاحف، ثم استولوا بعد ذلك على
أم درمان، فاجتازوها وبالقرب منها أسسوا مدينة
الخرطوم لتكون قاعدة عسكرية للقوات المصرية.
[50]وجه بعد ذلك إسماعيل باشا نسيبه محمد بك الدفتردار في حملة لضم
كردفان. وفي شهر أبريل من عام
1821، اشتبكت قوات الدفتردار مع قوات محمد الفضل
سلطان كردفان في
بارا، فانتصر الدفتردار ودخل مدينة
الأبيض، ليضم بذلك كردفان للأراضي الخاضعة
للسلطة المصرية. سار إسماعيل ببقية جيشه لضم مملكة
سنار، فاستولى على مدينة
ود مدني، فقدم ملكها الملك "بادي" ولائه للجيش
المصري، فدخل المصريون سنار في 12 يونيو 1821.
[50][51]وفى أثناء وجود الجيش في سنار انتشر المرض بين الجنود، فاضطر إسماعيل
إلى طلب المدد من أبيه، فأمدّه بقوات بقيادة أخيه الأكبر إبراهيم باشا،
واتفقا على تقسيم العمل بينهما، فكانت مهمة إسماعيل الزحف بجيشه على
منطقة النيل الأزرق، بينما اتجه إبراهيم
لضم بلاد الدنكا واستكشاف أعالي النيل. فواصل إسماعيل زحفه في منطقة النيل
الأزرق حتى وصل إلى فازوغلي في شهر يناير من عام
1822. أما إبراهيم فأكرهه المرض على العودة إلى
مصر.
[50]بدأت الثورات تظهر في مختلف المناطق بسبب الازدياد المتواصل في الضرائب
التي فرضها المصريون على السودانيين، وما أن وصل إسماعيل باشا إلى
شندي في ديسمبر من عام
1822، حتى أمر الملك نمر بالمثول أمامه وبدأ في
تأنيبه واتهامه بإثارة القلاقل، ثم عاقبه بأن أمره أن يدفع غرامة فادحة
وألف من العبيد، فأظهر الملك نمر الامتثال ولم تمض أيام حتى دعا إسماعيل
باشا وكبار رجاله إلى وليمة، وبعد أن أثقلهم بالطعام والشراب، أمر بإشعال
النار في المكان، وأمر جنوده برمي كل من يحاول الهرب بالسهام والنبال، فمات
إسماعيل ورجاله خنقًا وحرقًا. فلما بلغ محمد بك الدفتردار الخبر، زحف إلى
شندي وأسرف في القتل والسبي، وتعقّب الملك نمر إلا أنه لم يدركه حيث فر إلى
حدود
الحبشة. بعد ذلك استقرت الأوضاع
في السودان ودان لحكم محمد علي.
[50][عدل] حرب المورة مقال تفصيلي :
حرب استقلال اليونانكانت
بلاد اليونان، حتى أوائل
القرن التاسع عشر،
جزءًا من
السلطنة العثمانية، وفي هذه الفترة ظهرت في
البلاد بوادر الثورة ضد الحكم العثماني، بفعل أربعة عوامل: تطوّر المجتمع
اليوناني بفعل الرخاء الاقتصادي الذي نجم عن
الحروب النابليونية، وانتشار الأفكار
الأوروبية وبخاصة أفكار
الثورة الفرنسية، وردود الفعل الآيلة ضد
المركزية العثمانية، والتدخل الأوروبي المباشر.
[53] وأخذت الحركات الثورية والجمعيات السياسية السريّة والعلنية تُشكل خطرًا
على وحدة الدولة العثمانية بدءً من عام
1820، واتخذت مراكز لها في كل من
روسيا و
النمسا لتكون على اتصال وثيق بالحكومات الأوروبية من
جهة، وبمنجاة من اضطهاد الحكّام العثمانيين من جهة أخرى. وكان بعض هذه
الجمعيات، مثل "الجمعية الأخوية" (
باليونانية: Φιλική Εταιρεία أو Εταιρεία των
Φιλικών؛
نقحرة: فيلكي إيتريا)، يدعو إلى
إحياء
الإمبراطورية البيزنطية والاستيلاء
على العاصمة
الآستانة، وإخراج المسلمين من
أوروبا ودفعهم إلى
آسيا.
[54] وقد اتخذت الثورة في إقليم
المورة بالذات طابعًا دينيًا، رافعة شعارًا هو:
الإيمان والحرية والوطن.
[54] واجهت الدولة العثمانية مصاعب كبيرة في محاربة الثوّار، نظرًا لكثرة الجزر
ولوعورة المسالك التي اشتهرت بها بلاد اليونان، بفعل معرفة اليونانيين
كيفية الاستفادة منها استراتيجيًا ضد القوّات العثمانية.
[54] وعندما تفاقم خطر الثورة، طلب السلطان
محمود الثاني من محمد علي باشا أن يُرسل قواته
إلى اليونان لإخضاع الثوّار.
[55]لوحة
الغارة على ميسولونغي، يظهر فيها الثوّار اليونانيون وهم
يُقاتلون الجيش المصري والعثماني. بريشة ثيودور ڤريزاكيس (
1855).
لوحة
إبراهيم يُهاجم ميسولونغي، وهي تُظهر الهجوم المصري على
المدينة بقيادة إبراهيم باشا، بريشة غوزيپي پيترو مزّولا.
قبل محمد علي باشا القيام بهذا الدور بفعل أن الخطر موجه ضد دولة
المسلمين العامّة، المتمثلة بالدولة العثمانية، وضد
الإسلام ممثلاً في السلطان العثماني خليفة المسلمين،
فأرسل حملة عسكرية بقيادة حسن باشا نزلت في جزيرة
كريت وأخمدت الثورة فيها،
[56] كما أرسل حملة أخرى بقيادة ابنه
إبراهيم باشا، لإخماد ثورة المورة، ونجح في
تنفيذ إنزال على شواطئها بعد اصطدامات بحرية قاسية مع الأسطول اليوناني في
عام
1825،
[57] وأنقذ الجيش العثماني المحاصر في ميناء كورون، كما حاصر
ناڤارين، أهم مواقع شبه الجزيرة.
[57] وتمكّن إبراهيم باشا من دخول هذا الثغر، كما فتح كلاماتا وتريپولستا في
شهر يونيو من عام
1825، وطارد الثوّار واستولى على
معاقلهم، باستثناء مدينة نوپلي، عاصمة الحكومة الثورية، واستعد للقضاء على
آخر معاقل للثوّار في
هيدرا وأستبزيا وميناء نوپلي و
ميسولونغي.
[58] وما لبثت الأخيرة أن سقطت في يد الجيش المصري وكانت آخر معقل كبير للثوار.
[59]نتيجة لانتصار الجيش المصري، قام اليونانيون بتحريك الرأي العام
الأوروبي لإنقاذ الثورة، فنهضت جماعة من أقطاب الشعراء والأدباء يثيرون
الرأي العام في
أوروبا بكتاباتهم، ويحثّون الدول الأوروبية على التدخل
لصالح الثورة.
[60] وفعلاً دعت
بريطانيا روسيا للتشاور، بغية الوصول إلى تفاهم
حول مستقبل اليونان، وتكلّلت هذه المفاوضات بتوقيع پروتوكول
سان بطرسبيرغ، الذي انضمت
إليه
فرنسا بعد مدة قصيرة، واتفقت الدول الثلاث على حث
الباب العالي على عقد هدنة مع اليونانيين،
ومنحهم قدرًا من الحكم الذاتي في إطار التبعية الاسمية للسلطان العثماني.
[61] لكن سقوط
ميسولونغي قلب الأمور رأسًا على عقب، فاتجهت الدول
الأوروبية وفي مقدمتها روسيا إلى العنف دعمًا للثوّار، فأرسلت سفنها إلى
مياه
اليونان لفرض مطالبها بالقوة، ومنع السفن العثمانية
والمصرية من الوصول إلى شواطئ هذا البلد، وإرسال الإمدادات إلى الجيشين
العثماني والمصري.
[62] وحاصرت أساطيل الحلفاء الأسطولين العثماني والمصري في ميناء ناڤارين
وضربتهما، بدون سابق إنذار، ودمرتهما تمامًا في
20 أكتوبر سنة
1827م، الموافق فيه
29 ربيع الأول سنة
1243هـ.
[60]الأسطولين العثماني والمصري تلتهمهما النيران في
معركة ناڤارين.
عند هذه النقطة من المشكلة اليونانية، كانت وجهات النظر العثمانية
والمصرية متفقة على السياسة العامة، إلا أنه بعد تدخل الدول الأوروبية و
انتصارها البحري في ناڤارين اختلفت وجهتيّ نظر
الجانبين.
[63] فقد رأى محمد علي باشا أن لا فائدة تُرجى من مواصلة القتال، بعد أن فقد
أسطوله وانقطعت طريق مواصلاته البحرية مع جيوشه في
بلاد اليونان، وأن الحكمة تقضي بفصل السياسة المصرية
عن السياسة العثمانية،
[63] وقد عجّل في سرعة اتخاذه قرار الانسحاب إرسال
فرنسا قوة عسكرية أنزلتها في المورة، وتلقّيه مذكرة من
الدول الأوروبية تصرّ فيها على فصل بلاد اليونان واستهداف
مصر،
إن هو استمر في اتباع السياسة العثمانية. لذا فضّل محمد علي عزل مصر عن
المشكلة اليونانية، وترك أمرها للسلطان.
[63] وفي
7 سبتمبر سنة
1828م، الموافق فيه
26 صفر سنة
1244هـ، ابتدأ انسحاب الجنود المصرية من المورة
على متن ما بقي من السفن، ولم يبق في اليونان غير ألف ومائتيّ جندي
للمحافظة على بعض المواقع ريثما تستلمها الجنود العثمانية،
[64] إلا أن القوات الفرنسية قامت بهذه المهمة عوضًا عن القوات العثمانية.
[64]