الفم كان وما يزال المرآة لكثير من الأمراض مثل داء السكري وأمراض
الجهاز الهضمي وأمراض نقص المناعة. والكثير منا يعرف تلك العلاقة، ولكن
الجديد والمثير فعلا هو الأبحاث الجديدة والتي درست تأثير أمراض اللثة على
الجسم وعلاقتها بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. وطرحت
التساؤلات:




هل هي من مسببات تلك الأمراض أم لا وهل يمكن استخدامها للتنبؤ بالاصابة بداء السكري أم لا؟

سواء تم اثبات تلك العلاقة أم لا فإن الجميع يؤكدون وفي جميع الأحوال
على أهمية الحفاظ على صحة الفم والأسنان وعلاج أي أمراض في اللثة والتي
تمثل الجزء الداعم للأسنان. ومعرفة مثل تلك العلاقة يجعلنا نحرص أكثر على
صحة أفواهنا وسلامة أسناننا.

مرض السكري وأمراض اللثة

* ويعتبر مرض السكري من أهم الأمراض التي ترتبط ارتباطا وثيقا بأمراض اللثة.

ومرض السكري نوعان:
النوع الأول والذي يمثل 5 الى 10% من نسبة الاصابات بداء السكري في أميركا
ويصيب الأطفال، ينتج بسبب اصابة الخلايا المنتجه للانسولين في البنكرياس
وبالتالي فقدان الأنسولين تماما في الجسم، والانسولين كما يعرف الجميع هو
المسؤول الأساسي لنقل جزيئات الجلوكوز من الدم الى الخلايا وذلك لاستخدامه
كمصدر للطاقة. واذا انعدم الانسولين زاد مستوى الجلوكوز في الدم مما يسبب
أعراض داء السكري. وعلاج النوع الأول يعتمد كليا على حقن الأنسولين ليتم
تقليل مستوى الجلوكوز في الدم. والنوع الثاني من السكري يمثل 85 الى 90% من
الاصابات، ويظهر تدريجيا ويصيب الكبار بصفة عامة وينتج بسبب خلل في
الخلايا يقاوم دخول الأنسولين اليها وبالتالي يتم علاجه بأدوية وليس
بالأنسولين. السكري وأمراض اللثة

* وتمثل أمراض اللثة أحد أهم أعراض هذا المرض بنوعيه وهناك أكثر من 250
بحثا خلال الخمسين سنة الماضية قامت بدراسة تلك العلاقة والتي أثبتت بما لا
يدع مجالا للشك ان الاصابه بداء السكري بجميع أنواعه تزيد نسبة الاصابة
بأمراض اللثة والأنسجة المحيطة بالأسنان خاصة بسبب تأثر الأوعية الدموية
المغذية للثة والأنسجة المحيطة. ومن أهم الأعراض زيادة انتفاخ اللثة ونزفها
وانحسار اللثة وضمور العظم المحيط، خاصة عند المصابين القليلي الاهتمام
بنظافة أفواههم غير المنتظمين في علاج السكري. كما ان المصابين بداء السكرى
عادة ما يصابون بمشاكل أخرى في الفم مثل جفاف الفم والاصابة بالفطريات
الفمية.

اما بالنسبة لأمراض اللثة كمسبب لداء السكري فلم يثبت ذلك حديثا وهي
علاقة تحتاج الى مزيد من الأبحاث لدراسة جميع مظاهرها وكيفيتها. ففي دراسة
حديثة تم نشرها في مجلة العناية بداء السكري (Diabetes Care, 2008) قام
مجموعة باحثين أميركيين يرأسهم الدكتور راين دمر بمسح طبي شمل أكثر من 9000
شخص تمت دراساتهم خلال عقدين من الزمان. وتوصل العلماء في هذا البحث الى
نتيجة مثيرة وهي ان المصابين بأمراض اللثة معرضون للاصابة بداء السكري من
النوع الثاني في المستقبل بنسبة الضعف وذلك عند مقارنتهم بغير المصابين
بأمراض اللثة. الفم وكيفية الاصابة بالسكري

* وتوصل علماء آخرون لتفسير كيفية الاصابة بداء السكري، وهي أن بكتيريا
الفم المسببة لأمراض اللثة والأنسجة المحيطة قد تنفذ إلى الدورة الدموية
(Bacteremia). وتسبب حالة من الالتهاب وتتفاعل مع الجهاز المناعي الذي يطلق
بروتينات مضادة للالتهاب والتي تعرف بسايتوكين، والتي بدورها قد تؤثر في
مقاومة الخلايا للأنسولين وتلك الخلايا المنتجة للانسولين. علاج اللثة
لعلاج السكري

* والسؤال الآخر المهم هو: هل ان علاج أمراض اللثة يعالج داء السكري أم لا؟

الأبحاث الأولية مثل البحث المنشور في مجلة علم أمراض اللثة (2003) تثبت
ان الاجابة هي: نعم، حيث ان علاج أمراض اللثة والأنسجة المحيطة بالأسنان
عن طريق كحت الأسنان وتنظيفها من الجير ومشاكله واستخدام المضادات الحيوية
يساعد على التحكم أكثر في مستوى الجلوكوز في الدم في المرضى المصابين
بالنوع الثاني من داء السكري.

اما بالنسبة للنوع الأول من داء السكري فقد كانت النتائج غير ذلك، فهناك
بحث جديد تم على يد فريق بحث من فنلندا أثبت ان علاج أمراض اللثة لا يساعد
على التقليل من مستوى الجلوكوز في الدم. وتوصل باحثون الى ان علاج أمراض
اللثة، وذلك عن طريق استئصال المسبب ألا وهو الأسنان، يساعد على التقليل من
مستوى الجلوكوز في الدم، مثله في ذلك مثل علاج أمراض اللثة والأنسجة
المحيطة. والعلاج عادة ما يتلخص في كحت الأسنان ووصف بعض المضادات
البكتيرية وأحيانا يتم اللجوء الى الجراحة والخلع وزراعة الأسنان. وهناك
دراسة حديثة أخرى قام بها فريق علماء من جامعة هارفارد وتم نشرها في المعهد
الوطني الأميركي للسرطان (عام 2007) ربطت بين الاصابة بأمراض اللثة وسرطان
البنكرياس الذي يعتبر من أخطر أنواع السرطانات.

وفي دراسة كورية قام بها فريق عمل من جامعة سيول أثبت العلماء وجود
علاقة بين أمراض اللثة والاصابة بجلطات الدماغ غير القاتلة وخاصة في
الأشخاص التي تقل أعمارهم عن الستين عاما. وفي دراسة بريطانية تم نشرها في
مجلة علم أمراض اللثة عام 2006 وجد الباحثون علاقة بين أمراض اللثة وأمراض
الأوعية المحيطة بالقلب.

وهناك كثير من الدراسات الأخرى التي تحاول توجيه اصابع الاتهام الى
أمراض اللثة كمسبب لأمراض مزمنة عجز الأطباء عن علاجها جذريا، وكل ذلك قائم
على الخلاصة القائلة بأن امراض اللثة تزيد من مستوى الالتهابات في الجسم
وهذا كاف جدا للدلالة على خطورة أمراض اللثة وأهمية علاجها والوقاية منها.
ان هذه الأبحاث تعتبر نقلة نوعية في استكشاف تلك العلاقة المذكورة أعلاه
ودراسة جوانبها ولكن تحتاج الكثير من الجهد والبحث لإثبات تطبيقاتها
السريرية. ولكن لا يجب علينا بأي حال من الأحوال الانتظار حتى إثبات ذلك
لأن علاج اللثة مطلب مهم في جميع الأحوال. والوقاية خير من العلاج .