الجزء الثالث
بدأ خالد ضربته, فشن هجوما بالخيّالة على النبّالة القلائل الذين بقوا على
التل, بهدف الاستيلاء على موقعهم ليتسنى له القيام بالمناورة. ولما رأى
عكرمة تحرك خالد أسرع باجتياز السهل للانضمام إلى سريّة خالد. وعندما وصلت
سريّة خالد قمة التل, كانت سريّة عكرمة لا تزال في الخلف لكن عكرمة نفسه
جاء مسرعا وبدأ يشارك في الانقضاض على النبّالة المسلمين.
قاوم
النبّالة المخلصون الذين بقوا على التل ببسالة. واستشهد بعضهم وجرح
الباقون. وهؤلاء طردوا من التل بسبب الهجوم الذي شنه خالد. أما عبد الله بن
جبير الذي دافع عن الموقع حتى النهاية, فقد أصيب بعدة جروح وقتل على يد
عكرمة. ثم تقدمت سريّة خالد, وفي أثرها سريّة عكرمة, إلى الأمام ووصلت إلى
خلف الخط الذي كان بيد المسلمين منذ ساعة. ومن هنا هاجمت السريّتان
المسلمين من الخلف. هاجم عكرمة مع جزء من سريّته المجموعة التي كانت مع
النبي –صلى الله عليه وسلم- , أما خالد فقد هاجم بسريّته وبالجزء الباقي من
سريّة عكرمة المسلمين في مخيم قريش.
كرّ خالد
على مؤخرة جيش المسلمين وهو واثق بأنه سيأخذهم على حين غرة. عندما وصلت
خيّالة قريش إلى المخيم, دب الهرج والمرج في صفوف المسلمين, وفقد عدد قليل
منهم صوابه وبدؤوا بالفرار, أما معظمهم فقد صمدوا وقاتلوا. وطالما أن النبي
–صلى الله عليه وسلم- حيّ, فإن هؤلاء الرجال لن يقرّوا بالهزيمة. لكن
عندما بدأ المسلمون بمنازلة فرسان قريش, اندفعت أحدى نساء المشركين تدعى
"عمرة بنت علقمة" والتقطت راية قريش من الأرض وأخذت تلوح بها من فوق رأسها
لكي تراها القوة الرئيسة لقريش.
في هذا
الوقت, استطاع أبو سفيان أن يستعيد السيطرة على معظم المشاة بعد أن رأى
تحرك الخيّالة, وبعد أن رأى راية قريش بيدي "عمرة" وهي تلوح بها, وأعاد
رجاله للقتال. وعندما علم المشركون أن خيالتهم قد هاجمت المسلمين من الخلف,
اندفعوا للمعركة مرة ثانية.
وقع
المسلمون الآن بين نارين, فخيّالة قريش تهاجم من المؤخرة والكتلة الرئيسة
من مشاتهم تهاجم من الأمام. واندفع أبو سفيان نفسه في المعركة. وأصبح
الموقف ميئوسا منه بالنسبة للمسلمين الذين تشتتوا في مجموعات صغيرة تقاتل
كل واحدة منها على هواها لصد هجمات الخيّالة والمشاة. ازدادت الفوضى, حتى
أن بعض المسلمين بدؤوا يقاتلون بعضهم بسبب الغبار. ومع ذلك فإن الذعر لم
يدب في الصفوف. وبدأت الخسائر ترتفع بين المسلمين الصامدين الذين قرروا
القتال حتى النهاية.
انقسمت
المعركة الآن إلى قسمين منفصلين. فالقوة الرئيسة من المسلمين كانت تقاتل ضد
القوة الرئيسة من جيش قريش, وكان هنالك مجموعة أخرى مع النبي -صلى الله
عليه وسلم- تقاتل ضد جزء من سريّة عكرمة وبعض مشاة قريش التي عادت
لمهاجمتها.
عندما ترك
المسلمون مواقعهم لمطاردة المشركين, بقي النبي في مكانه. وكان معه بعض
أصحابه الذين لازموه ورفضوا أن ينساقوا لإغراء الغنائم. وكان من بين هؤلاء:
أبوبكر الصديق, وعلي بن أبي طالب, وسعد بن أبي وقاص, وطلحة بن عبيد الله,
ومصعب بن عمير, وأبو دجانة, وأبو عبيدة . وكان مع المجموعة امرأتان كانتا
تحملان الماء للمسلمين وقد انضمتا الآن إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-.
عندما استولى خالد على موقع النبّالة واتجهت خيّالة قريش لمهاجمة
المسلمين من الخلف, أدرك النبي –صلى الله عليه وسلم- خطورة الورطة التي
وقع المسلمون. ولم يستطع أن يفعل شيئا للسيطرة على القوة الرئيسة وقيادتها
بسبب كونها بعيدة عنه, وأيقن أن مجموعته سوف تهاجم سريعاً. كان الموقع
الحالي غير محمي, لذا قرر التحرك إلى سفح البروز الكائن خلفه مباشرة (وهذا
غير البروز الكائن عند السفح الذي تمركز عليه الجناح الأيمن للمسلمين) ,
وبدأ بتنفيذ ذلك. وعندما قطع حوالي ربع ميل فقط مع أصحابه, كان عكرمة مع
فرسانه يسدّ عليه الطريق. قرر النبي –صلى الله عليه وسلم- الوقوف والقتال
حيث وصل, ولم يمض وقت طويل حتى وصلت مجموعة من مشاة قريش لمهاجمة النبي
-صلى الله عليه وسلم- وصحبه.
السبت يونيو 11, 2011 4:53 pm