غزوة أحد...كأنك تراها (الجزء الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم





الجزء الأول
بعد هزيمة قريش في بدر هاهو أبو سفيان يعقد مؤتمرا ضم جميع
زعماء قريش. وتعهد الجميع هذا المؤتمر بأخذ الثأر, وأن لا يتقاعس أحد في
القتال هذه المرة وسوف تجهز حملة لم يجهز مثلها من قبل في مكة, ولسوف تدعى
القبائل المحلية الأخرى للانضمام إلى الحملة والاشتراك في إبادة المسلمين.
كما أن الربح الإجمالي الذي حققته القافلة (التي كانت سببا في
غزوة بدر) ومقداره 50 ألف دينار سوف يصرف على تمويل الحملة. وانتخب أبو
سفيان بالإجماع قائدا للجيش.
وبينما كان الموضوع الرئيس في مؤتمر قريش هو التحدث عن الثأر,
فإن عاملا آخرا قد جر قريشاً إلى الحرب مع المسلمين وهو عامل اقتصادي,
فالمحور الرئيس الذي كانت تسلكه قوافل قريش وهي ذاهبة إلى الشام, كان يقع
على الطريق الساحلي الذي لم يعد مفتوحا أمامها بعد غزوة بدر. وقد لمس صفوان
ابن أمية الحاجة إلى مزيد من التجارة, فأرسل قافلة باتجاه الشام على محور
آخر ظن أنه قد يكون آمنا. وغادرت هذه القافلة مكة على الطريق المؤدي إلى
العراق, وبعد أن سارت مسافة ما اتجهت شمالا غربا نحو الشام, وبعد أن اجتازت
"المدينة" في مكان يسمى "القردة" اعتقد صفوان أنها أصبحت في أمان. لكن
النبي -صلى الله عليه وسلم- علم بأمر هذه القافلة وأرسل زيد بن حارثة على
رأس مائة رجل لأسرها وقد تم له ذلك وفر جميع رجال القافلة.
بعد ذلك ذهب صفوان إلى أبي سفيان, وقد اتفق القائدان على أنه
عندما يزدهر اقتصاد قريش, الذي يعتمد على التجارة مع الشام, فإن القضاء على
المسلمين يصبح أمرا ملحا. وقد كان عكرمة قليل الصبر يضغط للإسراع ومع ذلك
فإن أبا سفيان, الرجل الحكيم والزعيم القديم, كان يعلم أن الحملة تحتاج إلى
وقت لتجهيزها, وقد وعد ببذل جهده.
بدأ التفاوض مع القبائل المجاورة, وأخذت الإمدادات تصل من
كنانة وثقيف. في هذه الأثناء كتب العباس, عم النبي, رسالة إلى رسول الله
يعلمه فيها بالتحضيرات التي تجهز ضده.
انطلق جيش المشركين بثلاثة آلاف رجل بينهم سبعمائة دارع. وكان
معهم ثلاثة آلاف بعير, ومائتي فرس. وقد سارت مع الجيش 15 امرأة قرشية في
هوادج. كما كانت بينهن زوجة عكرمة, وزوجة عمرو بن العاص, وشقيقة خالد بن
الوليد.
وبينما كانوا في طريقهم إلى المدينة, كانت الأنباء تصل إلى
المسلمين عن تقدمهم بواسطة القبائل الصديقة. وفي 20 آذار/ 625م الموافق 6
شوال/ 3هـ وصل جيش المشركين على قرب المدينة على بعد بضعة أميال عنها, في
منطقة تكثر فيها الأشجار غرب جبل أحد. وفي هذا اليوم بالذات, أرسل النبي
-صلى الله عليه وسلم- كشافين لرصد القرشيين. وقد عاد الكشافان وأعطيا
تقريرا عن القوة الحقيقية لهم.
وفي 21 آذار, غادر النبي –صلى الله عليه وسلم- ومعه ألف رجل
منهم مائة دارع. وقد عسكروا لقضاء الليل قرب تل صغير أسود يدعى "الشيخين"
وهو يقع إلى الشمال من "المدينة" على بعد ميل ونيف.
وفي صباح اليوم التالي تمرد المنافقون وتركوا جيش المسلمين
بحجة أن قتال القرشيين خارج "المدينة" لن يكتب له النجاح –وكان تعدادهم 300
رجل بإمرة عبد الله بن أبي بن سلول, وهكذا عاد المنافقون إلى المدينة.
وبقي مع النبي 700 رجل, فسار بهذه القوة من المعسكر. وفي الحقيقة لم تكن
لدى النبي –صلى الله عليه وسلم- النية للقتال خارج المدينة. وقد كانت رغبته
أن ينتظر المسلمون وصول القرشيين إلى المدينة وهنا تجري المعركة على
أرضهم, لكن معظم المسلمين أصروا على الخروج لملاقاة قريش فنزل عند رغبتهم.
ولكن بالرغم من خروجه لملاقاة أعدائه في أرض مكشوفة , إلا أنه هو الذي
اختار أرض المعركة.
"أحد" عبارة عن هضبة كبيرة تقع شمال المدينة على مسافة 4
أميال (اعتبر مسجد النبي نقطة انطلاق من المدينة) , وترتفع إلى علو 1000
قدم عن مستوى السهل المحيط بها, ويبلغ طولها 5 أميال. وفي الجزء الغربي من
أحد, يوجد بروز كبير يهبط بانحدار شديد نحو السهل, كما يوجد إلى يمين هذا
البروز, وادٍ يرتفع بشكل طفيف ويضيق وهو يبتعد.
وفي مدخل هذا الوادي وضع النبي-صلى الله عليه وسلم- جيشه بحيث
كان الوادي خلفه.